القلب.. أهم أعضاء الانسان, ومحط نور الايمان والمعرفة بالواحد الأحد سبحانه وتعالي. وصلاح الانسان متوقف علي صلاح قلبه واستقامته, والله عز وجل يثبت من يشاء من أصحاب القلوب, ويزيغ قلوب من يشاء. |
لذلك كان رسولنا الكريم صلوات الله وتسليماته عليه يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك نظرا لأن القلوب تتبدل وتتغير بسرعة لأنها في غاية الحساسية, لذلك فالمؤثرات التي تؤثر فيها كثيرة, ولعل أبرزها مرضا الذنوب والمعاصي, فإذا امتلأت حياة الانسان بهما ولم يستطع التخلص منهما بات الايمان منه ببعيد, ولا يدخل قلبه قط.
يقول الدكتور محمود عبد الله ـ أستاذ الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع طنطا, إن القلب هو أهم أعضاء الانسان وهو محط نور الايمان والمعرفة بالواحد الديان سبحانه وتعالي وهو الساعي إلي الله وبقية الأعضاء والجوارح هي آلات له, فمن القلب تكتسب الاستقامة والزيغ, فالقلب كالقائد المتصرف في الجنود والجنود منفذة لأمر قائدها وكذلك الأعضاء والجوارح منفذة لما يأمر به وقابلته لما يأتيها من هديه ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتي تصدر عن قصده ونيته, فعن النبي صلي الله عليه وسلم قال ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد, وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد, إلا وهي القلب قال الحافظ ابن الحجر فيه إشارة إلي أن صلاح حركات العبد واجتنابه للمحرمات وإتقاءه للشبهات بحسب صلاح قلبه, فإن كان قلبه سليما ليس فيه إلا محبة الله وخشية الوقوع فيما يكرهه صلحت حركات الجوارح كلها وإن كان القلب فاسدا قد استولي عليه أتباع الهوي وطلب ما يحبه ولو كرهه الله فسدت حركات الجوارح كلها, فصلاح الانسان متوقف علي صلاح قلبه واستقامته وسلامته من الشبهات والشهوات وفساده متوقف علي فساد قلبه, ولما كان القلب يوصف بالحياة وضدها فإنه ينقسم إلي. 1 ـ قلب صحيح سليم ـ وهو قلب المنجي لصاحبه يوم القيامة من عقاب الله وعذابه, قال تعالي..( ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون, إلا من أتي الله بقلب سليم) الشعراء88 ـ89 فالقلب السليم أي القلب الحي الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خيره 2 ـ القلب الميت. وهو القلب الذي لا يعرف ربه ولا يعبده لأمره بل يجذع نفسه هواها ويسعي وراء شهواته ولو كان ذلك فيه سخط ربه وغضبه فإن أحب أحب لهواه هو لا لهوي ربه فهذا هو القلب المغمور المشغول بالفكر في تحصيل أغراضه الدنياوية فهذا لا يرجي منه خير فهو مطبوع علي قلبه. 3 ـ القلب المريض. فهو حالة وسط بين الحياة والموت قلب له حياة وبه علة من شهوة أو شبهة فهو ممتحن من داعين, داع يدعوه إلي الله ورسوله والدار الآخرة, وداع يدعوه إلي العاجلة فهو يجيب أقربهما منه غاية, ومرض القلب يكون بسبب الوقوع في المعاصي التي تضر بالقلب والبدن والآخرة فهي تمرضه وتقتله والاستهانة بالمعاصي سبب لهلاك الانسان, فعن النبي صلي الله عليه وسلم قال( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن علي الرجل حتي يهلكنه, وإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ضرب لهن مثلا كرجل كان بأرض فلاة, فحضر صنيع القوم, فجعل الرجل يجئ بالعود حتي جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا, فأنضجوا ما فيها, فمن أثار المعاصي علي القلوب, حرمان العلم النافع: فإن هذا العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئه. ومن جانبه يؤكد الدكتور إسماعيل الدفتار عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء ـ علي أن مركز المشاعر والأحاسيس والوعي بالنسبة للإنسان يكون في القلب وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك في قول الله عز وجل أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور) الحج46, والنبي صلي الله عليه وسلم قد أوضح ذلك في قوله( إلا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد, وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد, إلا وهي القلب) فإذا كان الإيمان في القلب, فقد صلح القلب, فيجب أن يصلح سائر الجسد, فلذلك هو ثمرة ما في القلب, فلهذا قال بعضهم: الأعمال ثمرة الإيمان. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: القلب ملك والأعضاء جنوده, فإذا طاب الملك طابت جنوده, وإذا خبث الملك خبثت جنوده. فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الايمان علما وعملا قلبيا لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالايمان المطلق. وقد ذكرت السنة النبوية الكثير من تلك المعاني, فعن النبي صلي الله عليه وسلم( تعرض الفتن علي القلوب عرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتي يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض, والآخر أسود مربادا كالكور مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه) فقد شبه الفتن علي القلوب شيئا فشيئا كعرض عيدان الحصير وهي طاقاتها شيئا فشيئا, وبالتالي تسير القلوب علي قلبين, قلب أسود مربادا, إذ عرضت عليه فتنة أشربها كما يشرب السفنج الماء فتنكت فيه نكتة سوداء, فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتي يسود وينتكس, وهذا معني قوله صلي الله عليه وسلم كالكوز مجخيا أي مكبوبا منكوسا فإذا أسود وانتكس عرض له هاتان الآفاتان مرضان خطران متراميان به إلي الهلاك أحدهما اشتباه المعرف عليه بالمنكر فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا والآخر تحكمه هواه علي ما جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم وانقياده للهوي واتباعه له, ويؤكد ذلك قول الله تعالي ردا علي المكذبين بيوم القيامة وبين عاقبتهم في الآخرة( كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون) المطففين14, أي الذنب علي الذنب حتي يعمي القلب فيموت نتيجة الذنوب فعند كل معصية توجد نقطة سوداء لا تزول إلا بغسل القلوب عن طريق الطاعة والإنابة والاستقامة لله وأن يبذل صاحب القلب الأسود في مرضات الله ما استطاع سبيلا, وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الايمان وأزهر فيه مصباحه فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه وقوته يعني الانسان حينما ينتصر يقوده انتصاره علي نفسه إلي انتصار آخر ولا شيء كالنجاح لأنه يقود النجاح إلي نجاح آخر, والانتصار علي الذات يقود إلي انتصار أشد والانسان حركي وليس سكونيا, يزداد إيمانا يزداد تألقا يزداد قوة علي نفسه يزداد ثباتا علي الحق فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض, فإن طهارة القلب من أمراضه, وخلوه من أعراضها, هو أعظم أسباب قوته ولينته ورقته وخشوعه, وصاحبه هو خير الناس وأحبهم إلي الله, كما في الحديث عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: قلنا: يا نبي الله من خير الناس؟ قال): ذو القلب المخموم, واللسان الصادق, قال: قلنا يا نبي الله! قد عرفنا اللسان الصادق, فما القلب المخموم؟ قال: هو التقي النقي, الذي لا إثم فيه, ولا يبغي ولا حسد, قال: قلنا يا رسول الله! فمن علي أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا, ويحب الآخرة. قلنا: ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولي رسول الله, فمن علي أثره, قال: مؤمن في خلق حسن. |
المصدر الاهرام المسائي -
كتبت:همت مصطفي وأحمد علي |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق