يضيف لي بريد الجمعة كل أسبوع رصيدا جديدا من المعرفة, ويزودني بالخبرات التي اكتسبها أصحاب الرسائل. من شدائد الحياة. وقد تعلمت الكثير منهم, ووجدتني أنضم إليهم طالبا الاسترشاد برأيك فيما أعانيه من متاعب وآلام, فأنا شاب في الثانية والثلاثين من عمري,
تخرجت بإحدي الكليات النظرية, وعملت مع والدي في مشروع لتجارة النقل والمواد الغذائية, ثم التحقت في احدي شركات القطاع الخاص محاسبا. وأنا متزوج ولي ابنتان, الصغري من زوجتي الحالية والكبري من مطلقتي, وهي ابنة خالي وتصغرني بعام واحد, وقد ارتبطت بها بعد قصة حب كبيرة وخطبة استمرت أربع سنوات, وشهدت خلافات عديدة بيننا, حيث كانت والدتها فظة غليظة القلب, سليطة اللسان, تحمل في داخلها شرا مستطيرا ولا يقوي أحد علي الاستمرار في التعامل معها, لكني تحملتها من أجل فتاتي التي أحببتها. وخالي الذي رحل عن الدنيا قبل أن يفرح بتخرجها وزواجها, وتزوجنا في شقة مستقلة بمنزل أبي, وجاء العام الأول صعبا وكثرت فيه المشكلات مع حماتي, وتم زفافنا خلاله أطفئ النيران التي تشتعل كل يوم ولو لمجرد سوء تفاهم من الممكن التغاضي عنه, وتبعه العام الثاني وكانت مشاجراته أقل بكثير مما سبقه, فتصورت أن الأوضاع ستهدأ بمرور الوقت, وأن زوجتي قد استوعبت الدرس ولن تلقي بالا لاملاءات أسرتها فحدث العكس, وتمادت والدتها وأختها الكبري في فرض ارادتهما عليها فتدخلتا في كل كبيرة وصغيرة تخصنا, وافتعلتا أزمات لا وجود لها, وصار واضحا أنها تسعي إلي الاستقلال عن أسرتي كما فعلت أختها باحداث وقيعة مع أسرة زوجها, وزاد من هذه الفجوة أقارب والدتي الذين رددوا كلاما أسهم في توسيع دائرة الخلافات, وصار كل طرف يتحدث عن الآخر بسوء, وأنجبت زوجتي طفلتنا في هذا الجو المشحون بالتوتر.
وفوجئت بها وبلا سابق انذار أو حديث تحرر ضدي محضرا بتبديد العفش وتطلب الطلاق, فحاولت اثناءها عن الاستمرار في هذا الطريق الذي يؤدي بنا إلي الشقاق والخلاف, وأن علينا تهدئة الأمور, وأن نعطي لأنفسنا مهلة بعض الوقت لتذويب الخلافات بعيدا عن المحاكم, لكن أهلها ماطلوا في الصلح, ولم يستجيبوا لوسطاء الخير بيننا ومنهم محاميهم الذي شهد بأنهم مخطئون وأنهم لا يريدون إعادة المياه إلي مجاريها, وصار صديقا وأخا فاضلا لي, ولم أجد مفرا من تطليقها فأنهينا ارتباطنا بعيدا عن المحاكم, وأعطيتها كل مستحقاتها, ولم أمانع في أي شيء تريده, وفي جلسة الطلاق, ونحن جالسان أمام المأذون طلبت مني ألا أغير رقم هاتفي لكي تتمكن من الاتصال بي والاطمئنان علي, وقالت أمام الجميع إنها تحبني, وأخذت مطلقتي ابنتنا, واتفقنا علي أن أراها كل أسبوع في النادي القريب من سكنها, بعد رفض والدتها مجئ ابنتي إلي منزلي خوفا من أن آخذها وتظل عندنا وانتظمنا في اللقاء بالنادي, وشيئا فشيئا صارت الرؤية فرصة للقائنا, وأصبحنا نتقابل كثيرا ونتناقش في الأزمة التي عصفت بنا, ووجدتها تقول لي أنت الذي طلقتني, وكان بإمكانك أن توفر لي شقة بعيدا عن بيت أبيك.
والحقيقة أن هذا الطلب كان غريبا, ولم أجد له مبررا, فبيت أبي مكون من عدة أدوار, ونحن نعيش في شقة مستقلة, ولا علاقة لباقي افراد الأسرة بنا, وليس لها حق في ذلك, ومرت الأيام, وتنقلت مطلقتي من عمل إلي آخر, ولما وجدت أنها مصرة علي استمرار هذا الوضع, وترفض العودة إلي, تزوجت من فتاة أخري, للأسف فإنني أعيش معها حياة فاترة, وقد أنجبت منها طفلة, وبرغم ذلك لم تهتز مطلقتي لزواجي, وتعاملت مع الموضوع بمنتهي البرود, واستمرت في مقابلاتها لي خلال ساعات الرؤية, وكأن شيئا لم يكن!
وذات يوم مرضت ابنتي منها فاتصلت بي وأسرعت إليها وأخذت الطفلة إلي المستشفي ومكثنا به أسبوعا, وبرغم الظروف الصعبة, فإن هذه الفترة كانت من أجمل الأيام, وجاءنا الأقارب والأصدقاء ولاحظوا أننا معا, وبدا للجميع أنها عادت الي عصمتي, ودفعني ذلك إلي أن أطلب منها الزواج مرة أخري, لكنها اختلقت الأعذار, وعندما لاحقتها, قالت لي: أن عودتنا إلي بعضنا مستحيلة لأنها سوف تتزوج من شخص آخر فلم أيأس وواصلت ضغطي عليها, وقلت لها دعينا نبدأ صفحة جديدة من أجل ابنتنا البالغة من العمر الآن ثماني سنوات, لكنها ظلت تراوغ وتصر علي موقفها.. وهي تمارس حياتها بشكل طبيعي وتشغل الآن منصب مدير المشروعات بأحد المراكز الحقوقية المعروفة.
ثم حدث أن مرضت والدتها مرضا شديدا وهي ابنة عم والدتي, ورأي أبي أنه آن أوان الصلح بين الجميع فلم يعد في العمر متسع للخلافات, وبالفعل استطاع أن ينهي كل المشكلات والرواسب العالقة بالنفوس, وفي احدي الزيارات قالت لأمي والدموع تنهمر من عينيها سامحيني فانخرطت الاثنتان في بكاء مرير, ولم تمر أيام حتي لقيت وجه ربها, ونسينا تحريضها لمطلقتي علي, وكررت طلبي بالعودة إليها, لكنها تماطل وتمارس حياتها بهدوء وثقة, ولا تبالي بحالة الارتباك التي أعيشها, ولا أخفي عليك انه كلما مرت الأيام تزداد عنادا, وازداد أنا قربا منها ولهفة عليها, وقد اتجهت خلال الفترة الأخيرة إلي العمل السياسي العام, ولها علاقات صداقة عديدة عبر الانترنت, وقد تصفحت ذات مرة الرسائل المدونة علي هاتفها المحمول, فوجدتها كلها من رجال.. صحيح انها تخص العمل فقط, لكن الغيرة تقتلني وهي لا تبالي وتتجاهلني كثيرا, وصارت تعاملني بجفاء معظم الوقت, ثم تفتح لي باب الأمل بكلمة أو عبارة أنها تريدني, ثم توصده تماما بكلمات مقتضبة أفهم منها أنها ترفضني, وتحاول دائما تبرير كل أفعالها, وفي آخر مرة التقيتها قالت لي: إن إحدي جاراتها ماتت وحيدة, وهي تخشي أن تلقي المصير نفسه.. إن أمرها يحيرني, وأخشي أن تتصرف برعونة, وتتزوج من أخر من باب العناد, فنكون قد خسرنا كل شئ.. أما زوجتي الحالية فإنني لا ألتقي معها في أي شئ, فهي سطحية جدا وغير متفاهمة معي, ولا أريد أن أكرر تجربة الطلاق حتي لا أقع في وجع القلب الذي أعيشه كل دقيقة لبعد أبنتي من زوجتي الأولي عني, فبماذا تنصحني للخروج من هذه الدوامة التي أدور فيها ليل نهار؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لن تغفر لك مطلقتك أنك ارتبطت بغيرها وأنجبت منها, فلما استنفدت غرضك من زوجتك الثانية قارنت بين الاثنتين ورجحت كفة الأولي, ورحت تتحايل عليها لإعادة المياه إلي مجاريها بحجة رغبتك في أن تنشأ ابنتكما بين أبويها, وتناسيت أنه مر علي انفصالك عنها سبع سنوات, وما تصدع من علاقتكما من الصعب إصلاحه.
نعم لن تعود إليك مطلقتك, وسوف تتركك حائرا, وقد تدفعك الي تطليق زوجتك الثانية ثم تنتقم منك بالزواج من آخر, أو الاستمرار بلا ارتباط مكتفية بالوضع الاجتماعي والعمل السياسي الذي تشغل وقتها به.
أما زوجتك الثانية, التي تقول إنها سطحية وغير متفاهمة معك, ولكنك ستحرص علي استمرار حياتك معها من أجل ابنتك, فلقد تجاهلت الحديث عنها, ولم تذكر ملاحظة سلبية واحدة عليها.. وهذا يؤكد أنك لا تحب هذه ولا تلك, وانما تهدف الي اشباع غريزتك لا أكثر, فالحقيقة أنه لا توجد كلمة أسيء استخدامها أكثر من كلمة الحب, علي حد تعبير ليوجو سكاجليا, فالحب لا يقبل أنصاف الحلول, وأنت تحاول دائما إمساك العصا من المنتصف, وتسعي الي الجمع بين الاثنتين علي غير رغبتهما.
ولا شك أن وجودك المستمر مع مطلقتك هو الذي يشعل نار الرغبة لديك, وهي تدرك ذلك جيدا, ولذلك فإنها تستخدم قربها منك ورقة ضغط عليك لتحقيق مآربها وأهدافها, وليس من بينها العودة إليك.
وإني أسألك: اذا كانت حماتك التي تعتبرها شرا مستطيرا هي السبب في تطليقك زوجتك الأولي وفقا لما ذهبت إليه, قد رحلت عن الحياة, فلماذا إذن ترفض مطلقتك العودة الي عصمتك, وقالتها لك صراحة بأنها سوف تتزوج من شخص آخر؟.
يا سيدي.. انك تلعب بالنار, واذا لم تحكم عقلك وتغلق هذا الملف وتحافظ علي بيتك وزوجتك الحالية فسوف تخسر استقرارك الأسري, ودعك من شماعة سطحية زوجتك التي تبرر بها أخطاءك, فالواضح أنك مذبذب الأفكار, وليس لك منهج لحياتك فأعد حساباتك, وحدد علاقتك بمطلقتك في حدود تربية ابنتك منها ومد جسور المودة بينها وبين أختها, ولتعلم أن زوجتك الحالية لن تعرف قيمتها إلا اذا فقدتها.. وفقك الله وسدد خطاك.
المصدر الاهرام