لما وجدتها إيدها علي خدها جالسة وسط جيرانها.. صديقاتها.. وزميلاتها في العمل.. تحكي بإسهاب عن ذكرياتها أيام زمان, أيام الطفولة المرحة والصبا والشباب, أدركت أنها كبرت, وأصبحت حياتها مجرد شريط من الذكريات يمر أمامها فتنظر إليه وكأنه الحلم الجميل,
ولما مصمصت شفتيها في حسرة وتذكرت أن أيام زمان لم تكن كلها جميلة بل كانت تحمل كثيرا من الذكريات المؤلمة والتعيسة وذرفت الدمع وسط ذهول الجميع, قال لها أحفادها محتجين وفي صوت واحد: مالك تتذكرين أيام زمان بكل تلك الحسرة ياتيته..؟ هو إحنا مش عاجبينك..؟ فتساءلت لماذا تطاردني ذكرياتي أينما كنت وأينما ذهبت؟ ولماذا تطاردني الآن وفي هذا الوقت بالذات أكثر من أي وقت مضي؟ وهل تطارد الذكريات المرأة أكثر من الرجل؟
د. أحمد خيري حافظ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس يؤكد أن الذكريات هي صديق المرأة المفضل الذي غالبا مايطاردها في نهاية الأربعين ومع بداية الخمسين من عمرها, وتزداد مطاردته لها كلما تقدمت في العمر, ولأنها أرق المخلوقات وأكثرها عاطفية, ولأنها الأقوي في التواصل مع الأحياء والأموات علي حد سواء فإنها أكثر احتفاظا بالذكريات من الرجل, وهي الأكثر قدرة علي تذكر الذكريات الجميلة التي تعينها علي قسوة الحياة, كما أنها الأكثر قوة علي تذكر الأحداث المؤلمة التي تجعلها تختبر الحياة, والدليل علي ذلك أن المراة في الغالب لا تتزوج بعد وفاة زوجها وتفضل الاحتفاظ بذكرياتها معه وتربية أبنائها منه, عكس الرجل الذي غالبا مايفضل الزواج من جديد بل وقد يسارع به بعد وفاة زوجته.
ومن المعروف علميا أنه كلما تقدم الإنسان في العمر فإن النسيان يشغل ذاكرته الحديثة في الوقت الذي يترك فيه ذاكرته بعيدة المدي, بمعني أنه يتذكر أيام زمان وماحدث فيها تفصيليا وينسي الأحداث القريبة مهما كانت حيوية ومهمة, ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة لكبير السن أنا حتي مش فاكر أكلت إيه إمبارح, فكبار السن يتذكرون أيام طفولتهم ومراهقتهم وشبابهم وكأنها حدثت ومرت عليهم البارحة, ولكنهم في المقابل يعجزون عن تذكر الأشخاص الذين رأوهم أو تعاملوا معهم بالأمس, ولأن الذاكرة بعيدة المدي تعمل بنشاط وقوة أكثر من أي وقت مضي فنجدهم يثرثرون بذكرياتهم وهم مشحونون بالانفعالات والعواطف, مكررين, فيعيدون ويزيدون في حكيها دون ملل وكأنها الاسطوانة المشروخة, ويكفي أن نري شيخا عجوزا يتحدث عن طفولته المملوءة بالعفرتة والشقاوة أو عن شبابه عندما كان محور إعجاب كثير من الفتيات, حتي نجده وقد عادت الحيوية إلي وجهه فيضحك ويهتز بكل كيانه طربا وفرحا بما كان يفعله أيام زمان وكأنه يعيش أحداثها الجميلة في نفس اللحظة التي يحكي فيها, أما الجدة العجوز فقد تتذكر ابن الجيران الذي كان يعاكسها ويتبعها أثناء ذهابها للمدرسة أو ينتظرها بعد انتهاء اليوم الدراسي فيتورد خداها خجلا كأنها البنت الجميلة التي كانت محور اهتمام الشباب.
ورغم ماتضفيه الذكريات الجميلة من سعادة وفرحة علي حياة الأفراد وكبار السن بالذات, وكثيرا ماتدعمهم وتساعدهم وتساندهم في الأزمات والمواقف المؤلمة والقاسية, وقد تكون رحمة للكثيرين وطوق نجاة من الأزمات النفسية للذين مروا بظروف اقتصادية صعبة أو للذين فقدوا عزيزا لديهم, إلا أنها في المقابل قد تكون دليلا علي أن الحياة التي يعيشونها غير مشبعة وأن مايبحثون عنه ولم يجدوه رغم عنائهم في البحث عنه, كما أنه دليل علي افتقادهم للحب والحنان, لذلك نجد كثيرا منهم يذرفون الدمع كلما خلوا إلي أنفسهم متذكرين ذكرياتهم الأليمة, فالاستغراق في الذكريات والإسراف في استدعائها يجعل الإنسان ينفصل عن الحاضر ويعيش في الماضي وقد يؤدي إلي دخول صاحبها إلي حالات من الاكتئاب وهو أمر في غاية الخطورة كما يؤكده العلماء.
ولأن الثرثرة المستمرة عن الذكريات تؤدي إلي ملل الآخرين من صاحبها وشعورهم بالضيق وانصرافهم عنه وهروبهم منه فإن د.أحمد خيري حافظ يوصي- النساء والرجال علي حد سواء- بأن يجعلوا ذكرياتهم في ركن خاص جدا من ذاكرتهم وألا يظهروها كثيرا للأغراب أو المقربين, فهي أمر يخصهم وحدهم ولايهم الآخرين كثيرا, وبألا يذرفوا الدمع عند تذكر الذكريات المؤلمة والتعيسة حتي لايجهزوا علي ماتبقي من أعمارهم ويقعوا فريسة لمرض الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية العويصة, وذلك بأن يجدوا طريقا وسطا بين الاستمتاع بالذكريات وعدم الاستغراق فيها وإيجاد حالة من التوازن بين الواقع المعاش والذكريات الماضية, وبأن يجعلوها علي المستوي العقلي وليس العاطفي, وأن يستدعوا الجميل منها لإعانتهم علي الحياة, وأن يهربوا من البائس منها, علي أن يشاركوا الآخرين مباهج الاستمتاع بالحياة, وأن يفتحوا لمن حولهم آذانهم وعقولهم وقلوبهم فما مضي قد مضي وانقضي ولن يعود مرة أخري.. ولافائدة من البكاء علي اللبن المسكوب, أما إذا هاجمت الذكريات أصحابها وألحت عليهم وطاردتهم فلامفر من التحرك بعيدا عنها بالترفيه أو ممارسة أي نوع من الرياضة الخفيفة, أو الانخراط في أي عمل جاد, ونصيحة أخيرة يقدمها د. خيري للمرأة التي تستمرئ الاستغراق في الذكريات فيقول لها: لاتجعلي الألم رفيقا لك, واغلقي مصادر النكد بغلق باب ذكرياتك, وتعلمي كيف تعيشين سعيدة في هذه الحياة بعدم الحسرة علي مافات.
د. أحمد خيري حافظ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس يؤكد أن الذكريات هي صديق المرأة المفضل الذي غالبا مايطاردها في نهاية الأربعين ومع بداية الخمسين من عمرها, وتزداد مطاردته لها كلما تقدمت في العمر, ولأنها أرق المخلوقات وأكثرها عاطفية, ولأنها الأقوي في التواصل مع الأحياء والأموات علي حد سواء فإنها أكثر احتفاظا بالذكريات من الرجل, وهي الأكثر قدرة علي تذكر الذكريات الجميلة التي تعينها علي قسوة الحياة, كما أنها الأكثر قوة علي تذكر الأحداث المؤلمة التي تجعلها تختبر الحياة, والدليل علي ذلك أن المراة في الغالب لا تتزوج بعد وفاة زوجها وتفضل الاحتفاظ بذكرياتها معه وتربية أبنائها منه, عكس الرجل الذي غالبا مايفضل الزواج من جديد بل وقد يسارع به بعد وفاة زوجته.
ومن المعروف علميا أنه كلما تقدم الإنسان في العمر فإن النسيان يشغل ذاكرته الحديثة في الوقت الذي يترك فيه ذاكرته بعيدة المدي, بمعني أنه يتذكر أيام زمان وماحدث فيها تفصيليا وينسي الأحداث القريبة مهما كانت حيوية ومهمة, ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة لكبير السن أنا حتي مش فاكر أكلت إيه إمبارح, فكبار السن يتذكرون أيام طفولتهم ومراهقتهم وشبابهم وكأنها حدثت ومرت عليهم البارحة, ولكنهم في المقابل يعجزون عن تذكر الأشخاص الذين رأوهم أو تعاملوا معهم بالأمس, ولأن الذاكرة بعيدة المدي تعمل بنشاط وقوة أكثر من أي وقت مضي فنجدهم يثرثرون بذكرياتهم وهم مشحونون بالانفعالات والعواطف, مكررين, فيعيدون ويزيدون في حكيها دون ملل وكأنها الاسطوانة المشروخة, ويكفي أن نري شيخا عجوزا يتحدث عن طفولته المملوءة بالعفرتة والشقاوة أو عن شبابه عندما كان محور إعجاب كثير من الفتيات, حتي نجده وقد عادت الحيوية إلي وجهه فيضحك ويهتز بكل كيانه طربا وفرحا بما كان يفعله أيام زمان وكأنه يعيش أحداثها الجميلة في نفس اللحظة التي يحكي فيها, أما الجدة العجوز فقد تتذكر ابن الجيران الذي كان يعاكسها ويتبعها أثناء ذهابها للمدرسة أو ينتظرها بعد انتهاء اليوم الدراسي فيتورد خداها خجلا كأنها البنت الجميلة التي كانت محور اهتمام الشباب.
ورغم ماتضفيه الذكريات الجميلة من سعادة وفرحة علي حياة الأفراد وكبار السن بالذات, وكثيرا ماتدعمهم وتساعدهم وتساندهم في الأزمات والمواقف المؤلمة والقاسية, وقد تكون رحمة للكثيرين وطوق نجاة من الأزمات النفسية للذين مروا بظروف اقتصادية صعبة أو للذين فقدوا عزيزا لديهم, إلا أنها في المقابل قد تكون دليلا علي أن الحياة التي يعيشونها غير مشبعة وأن مايبحثون عنه ولم يجدوه رغم عنائهم في البحث عنه, كما أنه دليل علي افتقادهم للحب والحنان, لذلك نجد كثيرا منهم يذرفون الدمع كلما خلوا إلي أنفسهم متذكرين ذكرياتهم الأليمة, فالاستغراق في الذكريات والإسراف في استدعائها يجعل الإنسان ينفصل عن الحاضر ويعيش في الماضي وقد يؤدي إلي دخول صاحبها إلي حالات من الاكتئاب وهو أمر في غاية الخطورة كما يؤكده العلماء.
ولأن الثرثرة المستمرة عن الذكريات تؤدي إلي ملل الآخرين من صاحبها وشعورهم بالضيق وانصرافهم عنه وهروبهم منه فإن د.أحمد خيري حافظ يوصي- النساء والرجال علي حد سواء- بأن يجعلوا ذكرياتهم في ركن خاص جدا من ذاكرتهم وألا يظهروها كثيرا للأغراب أو المقربين, فهي أمر يخصهم وحدهم ولايهم الآخرين كثيرا, وبألا يذرفوا الدمع عند تذكر الذكريات المؤلمة والتعيسة حتي لايجهزوا علي ماتبقي من أعمارهم ويقعوا فريسة لمرض الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية العويصة, وذلك بأن يجدوا طريقا وسطا بين الاستمتاع بالذكريات وعدم الاستغراق فيها وإيجاد حالة من التوازن بين الواقع المعاش والذكريات الماضية, وبأن يجعلوها علي المستوي العقلي وليس العاطفي, وأن يستدعوا الجميل منها لإعانتهم علي الحياة, وأن يهربوا من البائس منها, علي أن يشاركوا الآخرين مباهج الاستمتاع بالحياة, وأن يفتحوا لمن حولهم آذانهم وعقولهم وقلوبهم فما مضي قد مضي وانقضي ولن يعود مرة أخري.. ولافائدة من البكاء علي اللبن المسكوب, أما إذا هاجمت الذكريات أصحابها وألحت عليهم وطاردتهم فلامفر من التحرك بعيدا عنها بالترفيه أو ممارسة أي نوع من الرياضة الخفيفة, أو الانخراط في أي عمل جاد, ونصيحة أخيرة يقدمها د. خيري للمرأة التي تستمرئ الاستغراق في الذكريات فيقول لها: لاتجعلي الألم رفيقا لك, واغلقي مصادر النكد بغلق باب ذكرياتك, وتعلمي كيف تعيشين سعيدة في هذه الحياة بعدم الحسرة علي مافات.
المصدر الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق