رسم الكاتب الكبير وحيد حامد فى مسلسله «بدون ذكر أسماء» صورة حية تحاكى واقعا مجتمعيا عاشته مصر فى حقبة الثمانينيات، بكل ما فيه من صور درامية استثنائية، تتمثل فى الفساد الأخلاقى والأمنى والدينى، وصراع الطبقات الكادحة والمتوسطة مع الحياة، حيث حرص الكاتب على تسجيل حقائق حياتية بإبراز صورة الحارة المصرية ومظاهر المعيشة بها، وكيفية بحث أبنائها عن الذات، ومدى استغلال رجال الدولة للفقر والجهل الذى يسيطر على القرى الريفية لتسهيل صفقاتهم مقابل رشوة وظيفية يبتغيها الأب لابنه، ولم يقتصر الكاتب فى مسلسله على كشف ما كان يجرى داخل الحارات والقرى من فقر وغلب وجهل وتسول، بل تطرق لكشف نمو التيارات الإسلامية وخلاياها النائمة، ونزعة الكبت الجنسى الذى يسيطر على بعض شبابهم ويخفونها تحت رداء الدين والتدين وقال الله وقال الرسول، الجمل التى استحلوها ليحللوا ما حرم الله.
ولعل أبرز الحقائق الصادمة التى يسردها وحيد حامد بالمسلسل، تتضح فى شكل العلاقة الزوجية التى تجمع بين بعض شباب المتأسلمين وزوجاتهم، والتى تُبنى على الرغبة لا الحب، على المتعة الجسدية لا على التفاهم والمودة كما ذكر القرآن الكريم، وحض المسلمين على حُسن التعامل مع المرأة بالمعروف أو «تسريحها بإحسان»، واستطاع الكاتب أن يظهر حجم الرغبة الجامحة التى تجتاح شباب الجماعات الإسلامية من خلال شخصية «معتمد» التى يجسدها الممثل وليد فواز، الشاب الذى يحرص على أداء الفرائض فى أوقاتها وينتمى للجماعات الإسلامية، لكن بدون أن يطلق لحيته مثلهم، بل يعمل كخلايا نائمة يسمع ويطيع، يرغب فى الزواج من إحدى القاطنات بالحارة، تدعى «نوارة» تجسدها حورية فرغلى، ورغم أنه لا يعرف مشاعر الحب العذرى إلا أنه يطمع فى الزواج منها لجمال منظرها، ولإشباع رغباته الجنسية، ويجرى محاولات عديدة للزواج منها بعد أن يقوم بدفع أحد أفراد الحارة لمعاكستها، ثم يُفضح أمره أمام أهل الحارة التى يقطن بها، ويلجأ لشيخ الجماعة «شفيع» يجسده أحمد حلاوة، ليذهب معه إلى منزلها لخطبتها وترضية أهلها، الأمر الذى يرفضه فى البداية والدها «ربيع» الذى يجسده عبدالعزيز مخيون، وشقيقها «عاطف» يجسده أحمد الفيشاوى، ثم يوافق والدها رغم معارضة الابن، وفى ليلة زفاف «معتمد» على «نوارة»، يخرج كبته الجنسى لينقض على زوجته كالفريسة ويعاشرها معاشرة تتشابه مع شكل العلاقة التناسلية بين «البهائم» لا شعور ولا انفعال ولا مقدمات للجماع بل شهوة فقط، وتكمن عظمة المشهد فى الإخراج الرائع لتامر محسن الذى أظهر المشهد بدون خدش للحياء من خلال «ماسورة تكييف يسيل منها الماء» فى إشارة لرغبة الزوج المجنونة.
واتخذ الكاتب من اسم جمعية «الصلاح والتقوى» التى يتردد عليها رجال الجماعات الإسلامية، راية، لإلقاء الضوء على نمو التيارات الإسلامية فى هذا العصر، ومدى التسهيلات التى تجرى فيما بينهم ومبدأ السمع والطاعة الذى يعتنقونه دون تفكر أو تدبر ومدى السيطرة على عقلية شبابهم، وتحليلهم للحرام وتحريمهم للحلال من خلال شخصية شيخهم «شفيع» الشخصية التى أجاد تجسيدها أحمد حلاوة بحرفية عالية وأظهر من خلال تعبيرات وجه خبث ودهاء وحنكة رجال الدين، حيث أفتى بأن «نوارة» لا تعتبر مطلقة من «معتمد» رغم أنه خاطبها قائلاً: «إذا خرجتِ من المنزل فأنت طالق»، لكن «شفيع» برر فتواه بأنها لن تعود للمنزل بل ستسافر مع زوجها السعودية لكى لا يقع يمينه، وكأنه تناسى أن هناك حديثا شريفا يقول «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتق والنكاح».
ولم يكتف الكاتب الكبير عند حد الكشف لرغبات شهوات المتأسلمين وسمعهم وطاعتهم لقادتهم ومشايخهم، بل تطرق لفضح الفساد الأمنى الذى تخلل المجتمع فى ثمانينيات القرن الماضى من خلال لواء يعمل لحساب مصلحته الشخصية ويتخذ من وظيفته ستارا يخفى وراءه كم الانتهاكات التى يمارسها، كما يسرد سيناريو العمل لمحات من التعذيب الأمنى لمتسولى الشوارع وتدخل الحقوقيون لتجريم هذا التعذيب، ويلمح السيناريو إلى ترابط المتسولين فيما بينهم تحت حكم «النعجة» تجسدها فريدة سيف النصر وهى مصدر القوة لدى المتسولين.
وتشهد حلقات «بدون ذكر أسماء» مباراة فنية رائعة فى الأداء بين الأبطال بدءاً من الشباب أحمد الفيشاوى الذى لم يتقن دورا نسب إليه منذ نشأته الفنية سوى دوره بهذا العمل الذى يعتبر بمثابة الطبق الطائر الذى حلق به هو وروبى ومحمد فراج وسهر الصايغ فى سماء النجومية، بجانب تمثيل العملاق عبدالعزيز مخيون الفنان محكم الأداء والمتقن لمفردات وتفاصيل شخصية الأب الكادح البسيط الذى يحنو على أفراد أسرته ويمزج الشدة بالحب فى التعامل معهم، وكذلك الفنانة فريدة سيف النصر التى أعادت اكتشاف نفسها بتجسيدها شخصية «نعجة» زعيمة المتسولين والتى تتعامل بمنطق الشدة واللين مع أفراد عصابتها، كما أبهر الفنان الكبير أحمد حلاوة المشاهدين فى مسلرسل «بدون ذكر أسماء» بتجسيده شخصية «شفيع» كبير الجماعات الإسلامية الرجل الذى يأمر شبابه فيطيعوه دون تردد أو مجادلة فى الحديث كعادة شباب المتأسلمين.
ملحمة «بدون ذكر أسماء» كتبها القدير وحيد حامد وأخرجها المتميز تامر محسن ويجسدها الفنانون روبى وأحمد الفيشاوى وعبدالعزيز مخيون وفريدة سيف النصر وأحمد حلاوة وحورية فرغلى.
المصدر اليوم السابع
ولعل أبرز الحقائق الصادمة التى يسردها وحيد حامد بالمسلسل، تتضح فى شكل العلاقة الزوجية التى تجمع بين بعض شباب المتأسلمين وزوجاتهم، والتى تُبنى على الرغبة لا الحب، على المتعة الجسدية لا على التفاهم والمودة كما ذكر القرآن الكريم، وحض المسلمين على حُسن التعامل مع المرأة بالمعروف أو «تسريحها بإحسان»، واستطاع الكاتب أن يظهر حجم الرغبة الجامحة التى تجتاح شباب الجماعات الإسلامية من خلال شخصية «معتمد» التى يجسدها الممثل وليد فواز، الشاب الذى يحرص على أداء الفرائض فى أوقاتها وينتمى للجماعات الإسلامية، لكن بدون أن يطلق لحيته مثلهم، بل يعمل كخلايا نائمة يسمع ويطيع، يرغب فى الزواج من إحدى القاطنات بالحارة، تدعى «نوارة» تجسدها حورية فرغلى، ورغم أنه لا يعرف مشاعر الحب العذرى إلا أنه يطمع فى الزواج منها لجمال منظرها، ولإشباع رغباته الجنسية، ويجرى محاولات عديدة للزواج منها بعد أن يقوم بدفع أحد أفراد الحارة لمعاكستها، ثم يُفضح أمره أمام أهل الحارة التى يقطن بها، ويلجأ لشيخ الجماعة «شفيع» يجسده أحمد حلاوة، ليذهب معه إلى منزلها لخطبتها وترضية أهلها، الأمر الذى يرفضه فى البداية والدها «ربيع» الذى يجسده عبدالعزيز مخيون، وشقيقها «عاطف» يجسده أحمد الفيشاوى، ثم يوافق والدها رغم معارضة الابن، وفى ليلة زفاف «معتمد» على «نوارة»، يخرج كبته الجنسى لينقض على زوجته كالفريسة ويعاشرها معاشرة تتشابه مع شكل العلاقة التناسلية بين «البهائم» لا شعور ولا انفعال ولا مقدمات للجماع بل شهوة فقط، وتكمن عظمة المشهد فى الإخراج الرائع لتامر محسن الذى أظهر المشهد بدون خدش للحياء من خلال «ماسورة تكييف يسيل منها الماء» فى إشارة لرغبة الزوج المجنونة.
واتخذ الكاتب من اسم جمعية «الصلاح والتقوى» التى يتردد عليها رجال الجماعات الإسلامية، راية، لإلقاء الضوء على نمو التيارات الإسلامية فى هذا العصر، ومدى التسهيلات التى تجرى فيما بينهم ومبدأ السمع والطاعة الذى يعتنقونه دون تفكر أو تدبر ومدى السيطرة على عقلية شبابهم، وتحليلهم للحرام وتحريمهم للحلال من خلال شخصية شيخهم «شفيع» الشخصية التى أجاد تجسيدها أحمد حلاوة بحرفية عالية وأظهر من خلال تعبيرات وجه خبث ودهاء وحنكة رجال الدين، حيث أفتى بأن «نوارة» لا تعتبر مطلقة من «معتمد» رغم أنه خاطبها قائلاً: «إذا خرجتِ من المنزل فأنت طالق»، لكن «شفيع» برر فتواه بأنها لن تعود للمنزل بل ستسافر مع زوجها السعودية لكى لا يقع يمينه، وكأنه تناسى أن هناك حديثا شريفا يقول «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتق والنكاح».
ولم يكتف الكاتب الكبير عند حد الكشف لرغبات شهوات المتأسلمين وسمعهم وطاعتهم لقادتهم ومشايخهم، بل تطرق لفضح الفساد الأمنى الذى تخلل المجتمع فى ثمانينيات القرن الماضى من خلال لواء يعمل لحساب مصلحته الشخصية ويتخذ من وظيفته ستارا يخفى وراءه كم الانتهاكات التى يمارسها، كما يسرد سيناريو العمل لمحات من التعذيب الأمنى لمتسولى الشوارع وتدخل الحقوقيون لتجريم هذا التعذيب، ويلمح السيناريو إلى ترابط المتسولين فيما بينهم تحت حكم «النعجة» تجسدها فريدة سيف النصر وهى مصدر القوة لدى المتسولين.
وتشهد حلقات «بدون ذكر أسماء» مباراة فنية رائعة فى الأداء بين الأبطال بدءاً من الشباب أحمد الفيشاوى الذى لم يتقن دورا نسب إليه منذ نشأته الفنية سوى دوره بهذا العمل الذى يعتبر بمثابة الطبق الطائر الذى حلق به هو وروبى ومحمد فراج وسهر الصايغ فى سماء النجومية، بجانب تمثيل العملاق عبدالعزيز مخيون الفنان محكم الأداء والمتقن لمفردات وتفاصيل شخصية الأب الكادح البسيط الذى يحنو على أفراد أسرته ويمزج الشدة بالحب فى التعامل معهم، وكذلك الفنانة فريدة سيف النصر التى أعادت اكتشاف نفسها بتجسيدها شخصية «نعجة» زعيمة المتسولين والتى تتعامل بمنطق الشدة واللين مع أفراد عصابتها، كما أبهر الفنان الكبير أحمد حلاوة المشاهدين فى مسلرسل «بدون ذكر أسماء» بتجسيده شخصية «شفيع» كبير الجماعات الإسلامية الرجل الذى يأمر شبابه فيطيعوه دون تردد أو مجادلة فى الحديث كعادة شباب المتأسلمين.
ملحمة «بدون ذكر أسماء» كتبها القدير وحيد حامد وأخرجها المتميز تامر محسن ويجسدها الفنانون روبى وأحمد الفيشاوى وعبدالعزيز مخيون وفريدة سيف النصر وأحمد حلاوة وحورية فرغلى.
المصدر اليوم السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق