الثلاثاء، 23 يوليو 2013

من مصنع الحديد إلي مطعم الفول‏:‏ يوم في حيـاة شـاب يعمل ولايحتج

وظيفة التربية والتعليم منتهي أحلامه ليست المعاناة التي يرزح تحت وطأتها الشباب المصري مقصورة علي أصحاب المؤهلات ممن يتجرعون كأس البطالة والحرمان‏,‏
ولكن هناك اخرين من ابناء هذا الوطن لم يحظوا بفرصة دخول المدارس والحصول علي شهادة من اي نوع هؤلاء يعانون مثل سابقيهم وفي رحلة معاناتهم تلك تبرز منهم نماذج مشرفة وصور مضيئة لشباب يكشفون طبيعة شخصية مصرية ترضي بالقليل ولاتركن إلي السلبية وتحقيق الاحلام دفعة واحدة دون عمل‏.‏
سمير محمد مفتاح صاحب الثمانية وثلاثين عاما‏,‏ احدي تلك النماذج المشرفة المغلفة بإطار من القناعة رغم المعاناة التي ورثها والفقر الذي يرافقه منذ أن تفتحت عيناه علي هذه الدنيا في ريف الفيوم قبل ان ينتقل للعمل بمدينة السادس من أكتوبر في اواخر تسعينيات القرن المنصرم‏.‏
اليوم في حياة سمير ليس عاديا كغيره من الشباب‏,‏ فالرجل يستيقظ في السادسة صباحا ليلحق بموعده في الساعة الثامنة علي الماكينة التي يعمل امامها بمصنع لتشغيل المعادن‏,‏ ويظل حتي الرابعة عصرا غارقا في عرقه حتي إذا ما انتهت الوردية وعاد زملاؤه إلي منازلهم‏,‏ يسلك هو طريقا اخر يلتمس فيه رزقا جديدا لتعويض ما لايفي به راتبه القليل الذي لايكفي ايجار شقته الصغيرة ونفقات اسرته‏.‏
الساعة الخامسة من مساء كل يوم‏,‏ يجري سمير مسرعا إلي مطعم الفول والفلافل لينفذ الجزء الثاني من يوم عمله الطويل‏,‏ لكنه في ذلك المكان يمارس دورا اخر‏,‏ صحيح انه يشقي كما يقول لكنه تبدو عليه سعادة بالغة وهو يجهز قطع الباذنجان للقلي وعجينة الفلافل وينظف قدرة الفول ويضعها علي النار متقنا عمله دون ان يراقبه احد‏,‏ فالرجل تعود علي ذلك من تلقاء نفسه‏,‏ وفور ان ينهي عمله في الثانية عشرة مساء‏,‏ ينظف المكان ويعود إلي منزله لينام ساعات قليلة‏.‏
زوجتي هي من تلهمني الصبر علي ما أنا فيه‏,‏ فلا أري منها سوي الرضا والمبالغة في احترامي‏..‏ كلمات سمير وتحليلاته لكل ما يدور علي الساحة خاصة في عقب ثورة‏25‏ يناير التي شرد ذهنه فور ذكرها قبل ان يعود مسترجعا شريط احداثها منذ الشراره الأولي‏.‏
حملت احلامي وما اتمناه من مستقبل لي ولأولادي واردت الخروج بها في مظاهرات‏25‏ و‏28‏ يناير لكن إدارة المصنع اغلقت علينا الباب وكان خروجي إلي الشارع يعني قطع عيشي ورغم عدم مشاركتي فإن قلبي كان لحظة بلحظة
من مكتسبات الثورة المجيدة ـ كما يقول سمير ـ انها منحته فرصة التقدم بطلب للتربية والتعليم فور اعلانها عن حاجتها لعمال صحيح انه يحلم بتلك الفرصة الذهبية‏,‏ ـ كما يراها ـ لكنه لن يتهاون في عمله سواء بمصنع تشغيل المعادن أو مطعم الفول والطعمية فهما مصدرا الدخل اللذان يقدسهما ويعتبرهما اكل عيشه
سمير ذلك الشاب المكافح يدعو أقرانه من الشباب خاصة اصحاب المؤهلات إلي العمل والبحث الجاد عن وظائف ولو كانت لاتليق بهم فالعمل المتواضع ـ بحسب رأيه ـ يجلب العظيم والجنيهات القليلة التي يتقاضاها اليوم ستأتي بالكثير غدا‏,‏ لكن المهم ان يتفاءل الجميع لنبني هذا البلد‏,‏ وبدلا من النقمة علي اوضاعه تكون الغيرة عليه والعمل علي رفعته وتقدمه وهذا لن يأتي بالصوت والاحتجاج لكن بالعمل فقط‏.‏
انهي المشهد ليس سوداويا في مجمله وانما هناك صور مضيئة نرجو لمصر منها المزيد‏.‏



المصدر الاهرام المسائي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق