ظل قطار ولا ظل حيطة.. هذا باختصار هو ملخص حياتهما التى استندت طوال 35 عاما إلى مزلقان قطار شارع الوحدة بمنطقة إمبابة تحتميان به من إتاوة العرب التى يفرضونها على باقى البائعين من جوارهما، ترصان فى أحضانه بضاعتهن الزهيدة وتنهمكان فى تقطيع الخضراوات لأهل المنطقة مقابل ما يجودون به حتى أعالوا عائلتهم ووصلوا بأولادهن لبر الأمان، ونمى السوق من حولهم وتحولت سكة القطار بالكامل إلى سوق كبير يتجاوز الباعة جنباته ليرصون بضاعتهم بداخل سكه قطار القمح، الذى تتوقف عدد مرات عبوره القليلة من المزلقان على كميه محصول القمح الذى تنتجه أرض أم الدنيا.
أم السيد 55 عاما، وأم إبراهيم 52 عاما، أحدى الباحثات عن لقمة عيش فوق قضبان الموت، ولكن هم الأقدم على سوق القطار الأغرب فى مصر، فعلى قضبان مزلقان شارع الوحدة يتراص فى قلب السكة الحديدية بداية من بائع الصابون، وحتى كراسى القهوة، مرورا ببائعين الجبن والفواكه وغيرهم، والسر هو المرات القليلة لعبور القطار المخصص لغلة القمح، ما سمح للسوق بتجاوز الحواجز المعدنية والاستقرار فى قلب السكة الحديد.
المشهد المزدحم الآن بتلاحم التكاتك مع الميكروباصات ومئات البائعين الذين يصعب المرور بينهم على الرغم من اتساع جنبات الشارع، يضع قدرا كبيرا من المنطقية أمام دخول الباعة إلى قلب سكة القطار، ولكن قبل 35 عاما كانت كل هذه المنطقة فارغة، وبجانبها مساحة شاسعة من الحقول الخضراء التى لم يعد لها وجود أمام العمران، مما يجعل لجوء السيدتين لطريق القطار قدر من الغرابة وسط كل هذه الأرض الفارغة، تلتقط أم السيد أطراف الشرح وتقول: "معظم المكان هنا عرب بيأجروا الأرض للبياعين" تشير للفرشة المجاورة لها مباشرة وتتابع الحديث "ديه متأجرة بألفين جنيه فى الشهر، أحنا هنجيب منين؟ فقولنا نتزنق هنا ونقولهم أحنا تبع الحكومة، وحراس القطار عشان بيحبونا وقفوا معانا وساعدونا، وأدينا عشنا وربينا عيالنا ودخلناهم مدارس".
بدأت فرشة السيدتين ببيع السمك، ومع ارتفاع أسعاره تحولا لبيع العيش المدعم "أبو شلن"، ومع منع بيعه خارج الأفران، انتقلوا "لأبو" ربع جنيه، ولم يتركاه حتى الآن، وطوال هذه السنوات، والتغيرات الاقتصادية التى تجاوبت فرشتهم معها، لم يضاف إلى طريق القطار سوى حديدة لإغلاقه مع المرور فقط، تقول أم إبراهيم: "دية عملوها من عشر سنين" تدافع بحرارة عن حراس القطار الذين تجوارهم وتبادلهم المحبة منذ سنوات "بس فى تفتيش دايم على السكة والناس بتصلح لو فى أى حاجة أو مسامير أتفككت، ومفيش حوادث بتحصل عندنا خالص بيبلغونا أول ما القطر يقرب وكل الناس بتلم حاجتها لحد ما يعدى".
قبل عام ونصف كان سامح يركن شهادة دبلوم الزراعة أسفل برميل بيع الصابون التى أقامه فى وسط المزلقان ليصبح أحدث فرشات سكة القطار، تتحدث والدته التى أخذت موقعه وتقول: "سامح ده ملولد على السكة" تشير إلى منزلها الواقع إلى يسار سكة القطار وتتابع: "أدى بيتنا، وطول عمرنا هنا بس هو شقى عشان يلاقى شغلانه بشهادته ولما زهق وحتى ملقيناش كشك جينا فرشنا، وبقى لينا سنة ونص بنفرش ونفضل مستنيين القطر أول ما نعرف أنه فى بشتيل، والناس تفضل تنقل الأخبار عشان نوسع ليه قبل ما يجى، وآخر مرة خبط لينا الفرشة بس الحمد لله محدش جرا ليه حاجة".
ارتفاع الصفارات يتعالى مع هزات فرشته المتأثرة بالحركة السريعة للقطار المندفع كالعادة، ثمانى سنوات كفلت له تحديد موقع القطار دون أن ينظر ولكن سرعته لم تستطع اللحاق بيد الرجل الذى أرتدى بذله سوداء وقفز سريعا من جانبه ليعبر قبل مرور القطار، حاول لملمة الموقف بتحذيره صوتيا.. وبعد ثانية كان يجمع أشلائه مع باقى أفراد السوق الذين تحركوا بشكل جماعى كل يقوم بدورة الذى أصبح يحفظه فى استقبال موت جديد.
المصدر اليوم السابع
أم السيد 55 عاما، وأم إبراهيم 52 عاما، أحدى الباحثات عن لقمة عيش فوق قضبان الموت، ولكن هم الأقدم على سوق القطار الأغرب فى مصر، فعلى قضبان مزلقان شارع الوحدة يتراص فى قلب السكة الحديدية بداية من بائع الصابون، وحتى كراسى القهوة، مرورا ببائعين الجبن والفواكه وغيرهم، والسر هو المرات القليلة لعبور القطار المخصص لغلة القمح، ما سمح للسوق بتجاوز الحواجز المعدنية والاستقرار فى قلب السكة الحديد.
المشهد المزدحم الآن بتلاحم التكاتك مع الميكروباصات ومئات البائعين الذين يصعب المرور بينهم على الرغم من اتساع جنبات الشارع، يضع قدرا كبيرا من المنطقية أمام دخول الباعة إلى قلب سكة القطار، ولكن قبل 35 عاما كانت كل هذه المنطقة فارغة، وبجانبها مساحة شاسعة من الحقول الخضراء التى لم يعد لها وجود أمام العمران، مما يجعل لجوء السيدتين لطريق القطار قدر من الغرابة وسط كل هذه الأرض الفارغة، تلتقط أم السيد أطراف الشرح وتقول: "معظم المكان هنا عرب بيأجروا الأرض للبياعين" تشير للفرشة المجاورة لها مباشرة وتتابع الحديث "ديه متأجرة بألفين جنيه فى الشهر، أحنا هنجيب منين؟ فقولنا نتزنق هنا ونقولهم أحنا تبع الحكومة، وحراس القطار عشان بيحبونا وقفوا معانا وساعدونا، وأدينا عشنا وربينا عيالنا ودخلناهم مدارس".
بدأت فرشة السيدتين ببيع السمك، ومع ارتفاع أسعاره تحولا لبيع العيش المدعم "أبو شلن"، ومع منع بيعه خارج الأفران، انتقلوا "لأبو" ربع جنيه، ولم يتركاه حتى الآن، وطوال هذه السنوات، والتغيرات الاقتصادية التى تجاوبت فرشتهم معها، لم يضاف إلى طريق القطار سوى حديدة لإغلاقه مع المرور فقط، تقول أم إبراهيم: "دية عملوها من عشر سنين" تدافع بحرارة عن حراس القطار الذين تجوارهم وتبادلهم المحبة منذ سنوات "بس فى تفتيش دايم على السكة والناس بتصلح لو فى أى حاجة أو مسامير أتفككت، ومفيش حوادث بتحصل عندنا خالص بيبلغونا أول ما القطر يقرب وكل الناس بتلم حاجتها لحد ما يعدى".
قبل عام ونصف كان سامح يركن شهادة دبلوم الزراعة أسفل برميل بيع الصابون التى أقامه فى وسط المزلقان ليصبح أحدث فرشات سكة القطار، تتحدث والدته التى أخذت موقعه وتقول: "سامح ده ملولد على السكة" تشير إلى منزلها الواقع إلى يسار سكة القطار وتتابع: "أدى بيتنا، وطول عمرنا هنا بس هو شقى عشان يلاقى شغلانه بشهادته ولما زهق وحتى ملقيناش كشك جينا فرشنا، وبقى لينا سنة ونص بنفرش ونفضل مستنيين القطر أول ما نعرف أنه فى بشتيل، والناس تفضل تنقل الأخبار عشان نوسع ليه قبل ما يجى، وآخر مرة خبط لينا الفرشة بس الحمد لله محدش جرا ليه حاجة".
ارتفاع الصفارات يتعالى مع هزات فرشته المتأثرة بالحركة السريعة للقطار المندفع كالعادة، ثمانى سنوات كفلت له تحديد موقع القطار دون أن ينظر ولكن سرعته لم تستطع اللحاق بيد الرجل الذى أرتدى بذله سوداء وقفز سريعا من جانبه ليعبر قبل مرور القطار، حاول لملمة الموقف بتحذيره صوتيا.. وبعد ثانية كان يجمع أشلائه مع باقى أفراد السوق الذين تحركوا بشكل جماعى كل يقوم بدورة الذى أصبح يحفظه فى استقبال موت جديد.
المصدر اليوم السابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق